كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الجمهور: إنه غير مطهر إلا أن يكون تغيره من تربة وحمأة.
وما أجمعوا عليه فهو الحق الذي لا إشكال فيه، ولا التباس معه.
الرابعة: الماء المتغير بقراره كزرنيخ أو جير يجري عليه، أو تغير بطحلب أو ورق شجر ينبت عليه لا يمكن الاحتراز عنه فاتفق العلماء أن ذلك لا يمنع من الوضوء به، لعدم الاحتراز منه والانفكاك عنه؛ وقد روى ابن وهب عن مالك أن غيره أولى منه.
الخامسة: قال علماؤنا رحمة الله عليهم: ويكره سؤر النصرانيّ وسائر الكفار والمدمن الخمر، وما أكل الجيف؛ كالكلاب وغيرها.
ومن توضأ بسؤرهم فلا شيء عليه حتى يستيقن النجاسة.
قال البخاريّ: وتوضأ عمر رضي الله عنه من بيت نصرانية.
ذكر سفيان بن عيينة قال: حدّثونا عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: لما كنا بالشأم أتيت عمر بن الخطاب بماء فتوضأ منه فقال: من أين جئت بهذا الماء؟ ما رأيت ماء عذبًا ولا ماء سماء أطيب منه.
قال قلت: جئت به من بيت هذه العجوز النصرانية؛ فلما توضأ أتاها فقال: أيتها العجوز أسلِمي تسلمِي، بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق.
قال: فكشفت عن رأسها؛ فإذا مثل الثَّغامة، فقالت: عجوز كبيرة، وإنما أموت الآنا فقال عمر رضي الله عنه: اللهم اشهد.
خرّجه الدَّارَقُطْنِيّ، حدّثنا الحسين بن إسماعيل قال: حدّثنا أحمد بن إبراهيم البُوشَنْجِي قال: حدّثنا سفيان.
فذكره.
ورواه أيضًا عن الحسين بن إسماعيل قال حدّثنا خلاد بن أسلم حدّثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه توضأ من بيت نصرانية أتاها فقال: أيتها العجوز أسلمي؛ وذكر الحديث بمثل ما تقدّم.
السادسة: فأما الكلب إذا ولغ في الماء فقال مالك: يغسل الإناء سبعًا ولا يتوضأ منه وهو طاهر.
وقال الثورِيّ: يتوضأ بذلك الماء ويتيمم معه.
وهو قول عبد الملك بن عبد العزيز ومحمد بن مسلمة.
وقال أبو حنيفة: الكلب نجس، ويغسل الإناء منه لأنه نجس.
وبه قال الشافعيّ وأحمد وإسحاق.
وقد كان مالك يفرق بين ما يجوز اتخاذه من الكلاب وبين ما لا يجوز اتخاذه منها في غسل الإناء من ولوغه.
وتحصيل مذهبه أنه طاهر عنده، لا ينجس ولوغه شيئًا ولغ فيه طعامًا ولا غيره؛ إلا أنه استحب هراقة ما ولغ فيه من الماء ليسارة مؤنته.
وكلب البادية والحاضرة سواء.
ويغسل الإناء منه على كل حال سبعًا تعبدًا.
هذا ما استقر عليه مذهبه عند المناظرين من أصحابه.
ذكر ابن وهب قال: حدّثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحياض التي تكون فيما بين مكة والمدينة، فقيل له: إن الكلاب والسباع ترد عليها. فقال: «لها ما أخذت في بطونها ولنا ما بقي شراب وطهور» أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ.
وهذا نص في طهارة الكلاب وطهارة ما تلغ فيه.
وفي البخاريّ عن ابن عمر أن الكلاب كانت تقبل وتدبر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يرشُّون شيئًا من ذلك.
وقال عمر بحضرة الصحابة لصاحب الحوض الذي سأله عمرو بن العاص: هل ترد حوضك السباع.
فقال عمر: يا صاحب الحوض، لا تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا.
أخرجه مالك والدَّارَقُطْنِيّ.
ولم يفرّق بين السباع، والكلب من جملتها، ولا حجة للمخالف في الأمر بإراقة ما ولغ فيه وأن ذلك للنجاسة، وإنما أمر بإراقته لأن النفس تعافه لا لنجاسة؛ لأن التنزه من الأقذار مندوب إليه، أو تغليظًا عليهم لأنهم نهوا عن اقتنائها كما قاله ابن عمر والحسن؛ فلما لم ينتهوا عن ذلك غلظ عليهم في الماء لقلته عندهم في البادية، حتى يشتد عليهم فيمتنعوا من اقتنائها.
وأما الأمر بغسل الإناء فعبادة لا لنجاسته كما ذكرناه بدليلين: أحدهما: أن الغسل قد دخله العدد.
الثاني: أنه قد جعل للتراب فيه مدخل لقوله عليه السلام: «وعفِّروه الثامنة بالتراب».
ولو كان للنجاسة لما كان للعدد ولا للتراب فيه مدخل كالبول.
وقد جعل صلى الله عليه وسلم الهرّ وما ولغ فيه طاهرًا.
والهرّ سبُعٌ لا خلاف في ذلك؛ لأنه يفترس ويأكل الميتة؛ فكذلك الكلب وما كان مثله من السباع؛ لأنه إذا جاء نَصُّ في أحدهما كان نصًّا في الآخر.
وهذا من أقوى أنواع القياس.
هذا لو لم يكن هناك دليل؛ وقد ذكرنا النص على طهارته فسقط قول المخالف.
والحمد لله.
السابعة: ما مات في الماء مما لا دم له فلا يضرّ الماء إن لم يغيّر ريحه؛ فإن أنتن لم يتوضأ به.
وكذلك ما كان له دم سائل من دواب الماء كالحوت والضفدع لم يفسد ذلك الماء موته فيه؛ إلا أن تتغير رائحته، فإن تغيرت رائحته وأنتن لم يجز التطهر به ولا الوضوء منه، وليس بنجس عند مالك.
وأما ما له نفس سائلة فمات في الماء ونزح مكانه ولم يغير لونه ولا طعمه ولا ريحه فهو طاهر مطهر سواء كان الماء قليلًا أو كثيرًا عند المدنيين.
واستحب بعضهم أن ينزح من ذلك الماء دلاء لتطيب النفس به، ولا يحدّون في ذلك حدًّا لا يتعدّى.
ويكرهون استعمال ذلك الماء قبل نزح الدلاء، فإن استعمله أحد في غسل أو وضوء جاز إذا كانت حاله ما وصفنا.
وقد كان بعض أصحاب مالك يرى لمن توضأ بهذا الماء وإن لم يتغير أن يتيمم، فيجمع بين الطهارتين احتياطًا، فإن لم يفعل وصلّى بذلك الماء أجزأه.
وروى الدَّارَقُطْنِيّ عن محمد بن سِيرين أن زِنجِيًا وقع في زمزم يعني فمات فأمر به ابن عباس رضي الله عنه فأخرج فأمر بها أن تنزح.
قال: فغلبتهم عين جاءتهم من الركن فأمر بها فدُسمت بالقُباطِيّ والمطارف حتى نزحوها، فلما نزحوها انفجرت عليهم.
وأخرجه عن أبي الطفيل أن غلامًا وقع في بئر زمزم فنزحت.
وهذا يحتمل أن يكون الماء تغير، والله أعلم.
وروى شعبة عن مغيرة عن إبراهيم أنه كان يقول: كل نفس سائلة لا يتوضأ منها، ولكن رخص في الخنفساء والعقرب والجراد والجُدْجُد إذا وقعن في الرِّكاء فلا بأس به.
قال شعبة: وأظنه قد ذكر الوزغة.
أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ، حدّثنا الحسين بن إسماعيل قال حدّثنا محمد بن الوليد قال حدّثنا محمد بن جعفر قال حدّثنا شعبة؛ فذكره.
الثامنة: ذهب الجمهور من الصحابة وفقهاء الأمصار وسائر التابعين بالحجاز والعراق أن ما ولغ فيه الهر من الماء طاهر، وأنه لا بأس بالوضوء بسؤره؛ لحديث أبي قتادة، أخرجه مالك وغيره.
وقد روي عن أبي هريرة فيه خلاف.
وروي عن عطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيّب ومحمد بن سِيرين أنهم أمروا بإراقة ماء ولغ فيه الهر وغسل الإناء منه.
واختلف في ذلك عن الحسن.
ويحتمل أن يكون الحسن رأى في فمه نجاسة ليصح مخرج الروايتين عنه.
قال الترمذيّ لما ذكر حديث مالك: وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة، هذا حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم؛ مثلِ الشافعيّ وأحمد وإسحاق، لم يروا بسؤر الهرّة بأسًا. وهذا أحسن شيء في الباب، وقد جوَّد مالك هذا الحديث عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، ولم يأتي به أحد أتمّ من مالك.
قال الحافظ أبو عمر: الحجة عند التنازع والاختلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صح من حديث أبي قتادة أنه أصغى لها الإناء حتى شربت.
الحديث.
وعليه اعتماد الفقهاء في كل مصر إلا أبا حنيفة ومن قال بقوله؛ فإنه كان يكره سؤره.
وقال: إن توضأ به أحد أجزأه، ولا أعلم حجة لمن كره الوضوء بسؤر الهرّة أحسن من أنه لم يبلغه حديث أبي قتادة، وبلغه حديث أبي هريرة في الكلب فقاس الهرّ عليه، وقد فرقت السنة بينهما في باب التعبد في غسل الإناء، ومن حجَّتْه السنة خاصمته، وما خالفها مطرح.
وبالله التوفيق.
ومِن حجتهم أيضًا ما رواه قرّة بن خالد عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «طهور الإناء إذا ولغ فيه الهر أن يغسل مرة أو مرتين» شك قرة. وهذا الحديث لم يرفعه إلا قرة بن خالد، وقرة ثقة ثبت.
قلت: هذا الحديث أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ، ومتنه: «طهور الإناء إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات الأولى بالتراب والهر مرة أو مرتين» قرة شك.
قال أبو بكر: كذا رواه أبو عاصم مرفوعًا، ورواه غيره عن قرة ولوغ الكلب مرفوعًا وولوغ الهر موقوفًا.
وروى أبو صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يغسل الإناء من الهر كما يغسل من الكلب» قال الدَّارَقُطْنِيّ: لا يثبت هذا مرفوعًا والمحفوظ من قول أبي هريرة واختلف عنه.
وذكر معمر وابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان يجعل الهر مثل الكلب.
وعن مجاهد أنه قال في الإناء يلغ فيه السنور قال: اغسله سبع مرات.
قاله الدَّارَقُطْنِيّ.
التاسعة: الماء المستعمل طاهر إذا كانت أعضاء المتوضىء به طاهرة؛ إلا أن مالكًا وجماعة من الفقهاء الجِلّة كانوا يكرهون الوضوء به.
وقال مالك: لا خير فيه، ولا أحِب لأحد أن يتوضأ به، فإن فعل وصلّى لم أر عليه إعادة الصلاة ويتوضأ لما يستقبل.
وقال أبو حنيفة والشافعيّ وأصحابهما: لا يجوز استعماله في رفع الحدث، ومن توضأ به أعاد؛ لأنه ليس بماء مطلق، ويتيمّم واجده لأنه ليس بواجد ماء.
وقال بقولهم في ذلك أصبغ بن الفرج، وهو قول الأوزاعيّ.
واحتجوا بحديث الصُّنابِحيّ خرجه مالك وحديث عمرو بن عنبسة أخرجه مسلم، وغير ذلك من الآثار.
وقالوا: الماء إذا توضىء به خرجت الخطايا معه؛ فوجب التنزه عنه لأنه ماء الذنوب.
قال أبو عمر: وهذا عندي لا وجه له؛ لأن الذنوب لا تنجس الماء لأنها لا أشخاص لها ولا أجسام تمازج الماء فتفسده، وإنما معنى قوله: «خرجت الخطايا مع الماء» إعلام منه بأن الوضوء للصلاة عمل يكفر الله به السيئات عن عباده المؤمنين رحمة منه بهم وتفضلًا عليهم.
وقال أبو ثور وداود مثل قول مالك، وأن الوضوء بالماء المستعمل جائز؛ لأنه ماء طاهر لا ينضاف إليه شيء وهو ماء مطلق.
واحتجوا بإجماع الأمة على طهارته إذا لم يكن في أعضاء المتوضىء نجاسة.
وإلى هذا ذهب أبو عبد الله المَرْوَزِيّ محمد بن نصر.